الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد فقد أمرني شيخنا الشيخ علي الرضى بن محمد ناجي رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم أيده الله بنصره أن أقدم عرضا أختصر فيه ما جمعننا من تاريخ موريتانيا الإيجابي ذلك التاريخ الذي يُعرٍّفه شيخنا الشيخ علي الرضا بأنه ”هو الذي يتأتى من خلاله الإقتداء بأعلامنا الأفاضل، وفيه ذكر لمحاسن الأوائل، على عكس التاريخ السلبي فذكره ليس مطلوبا شرعا وغير محمود عادة ، فقد أمرني بالكتابة عن أعلام موريتانيا من علماء وأبطال ومحبين ورجال مقاومة من شرق موريتانيا إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها،
وسيتواصل ذلك إن شاء الله تعالى والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبي ونعم الوكيل.
العلامة محمد فال بن محمذ بن أحمد بن محمد العاقل “ببها” :
ولد العلامة ببها سنة 1244 هـ / 1828 م، ولم أجد في ترجمته أبلغ من قول ابن أخيه العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يورَ في مقدمة نفحة الياسمين: ” يقول الجامع للشرد، والمجموع في صورة المفرد، جيلم الظلام، وعيلم الأعلام … “، وقول حفيده العلامة محمدن بن محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره في نظم له ذكر فيه أهل مدفن الميمون:
وببها إذا ذكرت فاسْمُهُ “” كاف لأنه شهيرٌ وسْمُــــــه
إن قلت عالم وقلت عابد “” وقلت ناسك وقلت زاهد
وقلت عارف وقلت ماجد “” فسوف تبقى بعدك المحامدُ.
وقال عنه المختار بن حامد في “حياة موريتانيا”: “كان محمد فال المذكور أعلم من كل أهل فن في فنهم مع ورع وحسن خلق. ما ترك شاردة من العلم إلا قيدها ولا لغزا ولا عويصة إلا حل عقدتها”.
وقد اشتهر ببها بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ديوانه الشعري الذي غلب عليه المديح النبوي،.
وقد أخذ ببها العلم عن والده العلامة محمذ بن أحمد وغيره من علماء عصره، وأخذ عن ببها عدد من العلماء منهم ابنه العلامة القاضي محمذن “اميي”، ومحمذ بن علي، وامحمد بن أحمد يورَ، وسيدي بن التاه، ومحمدن بن حمدي، ومحمد سالم بن الما ومحمد بن حمينَّ وغيرهم، ولببها مؤلفات كثيرة من أشهرها: المسائل العشر في التوحيد، ودمية المحراب ، ونظم حوادث السنين (الطواري) في السيرة، ونظم الآل (رب بطه)، ودالية الألغاز الفقهيه وشرحها، ونفحة الياسمين في الصلاة على أشرف المرسلين، والمواهب الأحدية في ذكر الشمائل المحمدية.
توفي العلامة محمد فال (ببها) هو وأخوه عبد الله يوم عرفة من سنة 1334هـ (1916م) رحمهما الله تعالى.
العلامة محمذ بن علي ابن السَّيد:
كان العلامة محمذ بن علي من أجل علماء هذه الربوع وأكثرهم موسوعية شهد له أهل العلم بذلك، وقد برع في علم السير وأيام العرب وغير ذلك من العلوم وكان مفتقد النظير متعدد المواهب كثير المناقب كما وصفه العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يورَ في قصيدته الرائعة المشهورة في رثائه:
ألا يا ديمة الرحموت أمي==فقيدا كان مفتقد النظير
وجري من ذيولك كل خير==على ذي الخير والورع الخطير
إلى أن يقول:
وهذا من مناقبه قليل = وقد يبدو القليل من الكثير
قال أحمدُّ بمب بن أحمد بن الامين في “الصلة المبرورة”: “قوله فقيدا كان مفتقد النظير الخ: هذا الفقيد هو سيد قومه ووحيد يومه محمذ بن علي بن محمذ بن السيد بن أبي الحسن بن بِلَّ بن المختار بن عثمان، وكان محمذ هذا من أهل العلم والخير والصلاح قائما بتدريس العلم في ناحيته شديد المحبة في الجانب النبوي والصحابي فائقا في علم السير وأيام العرب وأنسابها وأشعارها ألف في أيام العرب كتابا في مجلدين حافلين الأول في أيامها في الجاهلية والثاني في أيامها في الإسلام سماه “تحصيل السيوب في ما للعرب من أيام وحروب” فجاء كهمك في حسن السياق وضبط الألفاظ وكثرة الفائدة ومن طالعه علم جلالة قدر صاحبه ورسوخ قدمه في سائر الفنون.. وقد توفي محمذ بن علي هذا سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة وألف تقريبا، ودفن في تربة شهداء كثيب القضاة وكان يوم دفنه يوما مشهودا رحمه الله تعالى ونفعنا به”.
وقال سيد احمد بن أسمه في “ذات ألواح ودسر”: “ومحمذ بن علي هذا كان رحمه الله من الصالحين والعلماء العاملين وأعطاه الله تعالى المحبة في قلوب الخلق واستحسان الناس لتواليفه”.
ومن أشهر مؤلفات محمذ بن علي كتابه: “تحصيل السيوب في ما للعرب من أيام وحروب”.
ومن أحسن شعر محمذ بن علي وأشهره قصيدته الدالية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، قال في مطلعها:
صَلاَةٌ وتَسْلِيمٌ عَلَى دَوْحَةِ المَجْدِ == أَبِي القَاسِم الهَادِي إلَىسُّنَّةِ المَهْدِي
وهي غاية في الحسن وله شرح بديع عليها، توفي العلامة محمذ بن علي سنة١٣١٢هـ، عند كثيب القُضاة وكأنه أشار لذلك بقوله:
عجب الركب أن جرت عبراتي :: بربوع لدى كثيب القضاة.رحمه الله تعالى.
العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يوره:
هو العلامة الشاعر امحمد بن أحمد يوره بن محمذ بن أحمد بن العاقل، ولد العلامة والأديب امحمد بن أحمد يوره عام ١٢٦٠هـ – الموافق ١٨٤٤م بمنطقة إيگيدي، وهو من أشهر علماء وشعراء البلد، وهو في المديح النبوي من فرسان الميدان، وقد فاق فيه الأقران، يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر شعر امحمد بن أحمد يوره في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته التي مطلعها:
إن الذي جاءه بالوحي جبريل *** نال الربيع به فخرا وإبريل
وقصيدته التي مطلعها:
البدر عنك وتولّى آفلاً أفلا *** تذري الدموع على البدر الذي أفلا
ولست هنا بصدد تعداد الأمثلة لذلك إذ هو كالمثل السائر، وقد سارت الركبان بشعر امحمد بن أحمد يوره لجودة مبانيه، ودقة معانيه، ثم أنى لي باقتناص الدرر ممن كل شعره درر غرر، يقول عنه الشاعر المؤرخ المختار بن حامد في موسوعته: “كان امحمد بن أحمد يوره نادرة عصره وأعجوبة قطره علْما وأدبا وكتابة نظما ونثرا من مؤلفاته منظومة في أصول الفقه وأخرى في الإبدال وأخرى في الفرائض، وأخرى في شوارد الفقه سماها فرحة الصبي، أجاد في جميعها، أما شعره فكله درر غرر يقع في مجلد شرحه أحمد بمب بن المختار بن أحمد الأمين بن أحمد بن العاقل..”.
وقال عنه العلامة محمد عالي بن محنض في مقدمة شرحه لنظم امحمد بن أحمد يوره في الأصول: “أما بعد فإني أريد أن أتطفل على بركة نظم الولي العالم الصالح امحمد بن أحمد يورَ بن محمذ بن أحمد بن محمد العاقل، فريد الزمان، من إن نطق فسحبان،جمع رحمه الله تعالى إلى العلم كثرة العبادات، إلى ولاية وخرق عادات، مقبول الطلعة، ميمون النَّجعة، نثره سحر البيان، ونظمه قطع الجمان، إن نثر فالنجوم في أفلاكها، وإن نظم فالجواهر في أسلاكها، قد ركب الله تعالى دوحته في قرار المجد وغرس نبعته في منبت الفضل، المجد لسان أوصافه، والشرف نسب أسلافه ..”.
وهذا اختصار لما كتب عنه حفيده الشاعر الأديب المؤرخ امحمد بن شماد بن امحمد بن أحمد يوره مقدما به لديوانه، مع اختصار، يقول الأستاذ امحمد بن شماد:
“ولد العلامة والأديب امحمد بن أحمد يوره عام ١٢٦٠هـ – الموافق ١٨٤٤م بمنطقة إيگيدي، والده هو أحمد يوره بن محمذن بن أحمد بن محمد العاقل، أما أمه فهي أمنيان بنت أمحمد فال بن والد بن المصطف بن خالنا، نشأ في أكناف أسرته، بين والدته أمنيانَ وجدته أم الحسين بنت ألمين بن أحمد بن العاقل وزوجها العلامة: ألمانَ بن المختار بن اللا الذي خلف عليها بعد وفاة زوجها امحمد فال بن والد، وبين والده أحمد يوره وجده محمذن بن أحمد بن العاقل وأعمامه العلماء.
درس امحمد ولد أحمد يورَ القرآن الكريم على ابنة عمه الناصرة بنت ابن عفان بن أحمد بن العاقل، وعلى ولدها محمد بن والد “ببا” ثم شرع في درسة النصوص المتداولة على عميه سيد ألمين بن محمذن ومحمد فال “ببها” بن محمذن الذي أخذ عنه العلوم العقلية والنقلية كما أخذ عنه الطريقة الشاذلية، كما أن امحمد ولد أحمد يور درس جزءا من باب التركة من خليل على الفقيه محمذن بن أبا بكر الأبهمي، كما تلقى امحمد من العلامة محمذن بن علي الأبهمي ومن احبيب بن حمدن، كما أن امحمد كان يتردد بين مكتبتي جده العلامة والد ابن خالنا وكانت حافلة بكتب التاريخ والأدب، ومكتبة جده العلامة محمذن بن أحمد بن العاقل التي كانت تزخر بكتب الفقه والأصول.
وممن أخذ عن العلامة امحمد بن أحمد يور القاضي العلامة محمذ بن محمد فال “اميي” علما، والعلامة سيد بن التاه، والعلامة الأديب الكبير أحمدو بمب بن أحمد بن ألمين بن أحمد بن العاقل، وأخذ عن أيضا أبناؤه وغيرهم. وقد تصدر امحمد ولد أحمد يور في الطريقة الشاذلية كما كانت لامحمد علاقة روحية خاصة مع ابن عمه قطب زمانه حمدن بن محمد فال بن أحمد بن العاقل، وهكذا مع الشيخ الكبير أحمد بن الفاللي الذي أخذ عنه الطريقة القادرية.
توفي امحمد ولد أحمد يور في شهر شوال سنة ١٣٤٠هـ -الموافق ١٩٢٢م عند “اخروفَ”، ونقل منها إلى مقبرة الميمون مرورا ب”لاشوش” فكان ابنه محمد باب يتمثل بقول امحمد:
فمرا على لاشوش نبك ربوعه ،، وإلا فبالميمون ذلك واسع”.
رحمه الله تعالى.
القاضي محمذن بن محمد فال “امَّيَيْ”:
هو العلامة القاضي محمذن بن العلامة الكبير محمد فال بن العلامة الكبير محمذن بن العلامة الكبير أحمد بن العاقل، والدته فاطمَ فال بنت محمد فال بن أحمد بن محمد العاقل، وعاش محمذن ما يقارب القرن من الزمان ووجهه كوجه الطفل وضاءة وذكاء، يقول العلامة محمدن بن محمد باب ابن أحمد يور: عشت قرنا وأنت كالطفل وجها ،، وذكاء وذاك أمر يقلُّ
أخذ القاضي محمذن بن محمد فال العلم عن والده “ببها”، ونبغ في العلم والمعرفة، وكان آية في الذكاء والفطنة والحلم والحكمة، ولذلك فقد تولى القضاء في حياة والده في دائرة المذرذرة وما يتبع لها إذ ذاك، شأنه في ذلك شأن آبائه فهو من أسرة تسلسل فيها القضاء والعلم والصلاح، ومع أنه مكث في القضاء زمنا طويلا فإن أغلب قضائه كان صلحا، وذلك من حكمته وإعجاب الناس به فهم يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره ويرضون بأحكامه التي لم تأخذه فيها لومة لائم، وغلب عليه لقب القاضي فكان يعرف به عند الإطلاق. وترأس أول مؤتمر للقضاة في هذه البلاد بالإشتراك مع العلامة الشيخ المحفوظ بن بَيَّ في دجمبر ١٩٦٢م.
وممن كان يستشير في قضائه من علماء منطقته: الشريف محمد فال بن عابدين والشريف محمد بن باباه بن بدي، وسيد بن التاه، ولمرابط محمد سالم ابن ألمَّا، وأحمد سالم بن سيدي محمد، ومحمد عالي بن محنض، والمختار بن المحبوبي، ومحمد بن حمينَّ، والمختار بن إبلول، ومحمد عبد الرحمن بن السالك “النح”.
وقد خلفه في القضاء أخوه القاضي الورع حامد بن ببها (ت١٤٠٦هـ – ١٩٨٧م).
وللقاضي محمذن ديوان شعر يكثر فيه الدعاء والوعظ والنصيحة والتوكل ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، وله عدة منظومات بديعة في شتى الفنون من فقه وتاريخ وغير ذاك منها: منظومة في تاريخ حوادث السنين، ونظم آخرِ الصحابة موتا بكل أرض وقد نظَمه بأمر من والده العلامة ببها، ولي تعليق على هذا النظم لم ينشر بعد.
توفي القاضي محمذن بن محمد فال رحمه الله تعالى يوم السبت : 25 مايو 1966م – ١٣٨٦هـ في ابير التورس، ودفن بالميمون، رحمه الله تعالى.
1- العلامة كراي ابن أحمد يوره:
هو العلامة امحمد “گراي” بن محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره بن محمذن بن أحمد بن العاقل ولد سنة: ١٣٤٠ه – ١٩٢٠م، بمقاطعة المذرذرة، حفظ القرآن الكريم في صغره على يدي فطمة بنت حمدي وزين بن السالم، أخذ علم السيرة عن والدته يمِّ بنت ببها،
يقول الدكتور يحي بن البراء في كتابه “المجموعة الكبرى” مترجما للعلامة گراي: “فقيه متميز وشاعر مجيد من قبيلة أولاد ديمان (أهل المختار اگد عثمان). أخذ عن سيد بن المختار امُّ الديماني، وعن محمد عالي بن محنض الديماني. وأخذ عن محمد سالم بن المختار بن ألما اليدالي الطريقة الشاذلية. وقد درس عليه كل من ببها بن التاه وأخوه حمدا بن التاه، والشيخ بن حَمَّ الشريف، ومحمذ بن محمودن الديماني. له مؤلفات منها: نظم السرايا (في السيرة النبوية)، ونظم في الهجرة النبوية، ونظم الهجرة الأولى إلى الحبشة، ونظم الهجرة الثانية للحبشة، ونظم العقبتين الأولى والثانية، ومنظومة في أهل بدر، ومنظومة الخصال التي ورد أن فاعلها يغفر له، ونظم المخصصات في الأصول، ونظم المخلات في الفهم في الإجتهاد، وألفية في الأصول، ونظم الدينارية الكبرى، وديوان شعر كبير. وهو دفين الميمون من إگيدي”.
وممن أخذ عن العلامة كراي كذلك شيخنُا العلامة الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي رئيس المنتدى العالمي لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وللعلامة گراي أبيات مشهورة في الترحيب والفرح بميلاد الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي حفظه الله ورعاه هي:
تضاعفت البشرى من الثقلينِ == بمولد طفل طيب الطرفينِ
حوى شرفين اثنين لا شك فيهما == ويندر مولود حوى شرفينِ
علي الرضا ذاك اسمه وهْو وسمه == ولا عجبٌ إن فاز بالصفتينِ
فلا زال إنسانا لعين زمانه == ولا زال للأعيان قرة عينِ
وعمره الرحمان في العلم والتقى == وعمر معه الأهل والأبوينِ
وإني أعيذ الكيف والأين منه باسم من جل عن كيف وجل عن اينِ
وفي جيب خير الخلق أدخلته وجيب فاطمة الزهراء والحسنينِ
عاش العلامة گراي يجاهد في الله حق جهاده لا تأخذه في الله لومة لائم، يعلم أحكام الدين في المجالس والحلقات، وينشر منهج السنة في الأشرطة على شكل محاضرات، ويصدع به على المنابر في الجمعات، يبدي المعارف بأوضح التبيان، ويسقي طلابه كؤوس علومه في حسن ألفاظ وطيب معان، يقول شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حمَّ في رثائه:
إن أنس لا أنساه وسط نديّنا == يُبدي العلوم بأوضح التبيان
أيام يسقينا كؤوس علومه == في حسن ألفاظ وطيب معان
فنظل من عذب المسائل نرتوي == والقاصيات من العلوم دوان
فكأننا مع مالك وسليله == والعيلم السبكي ذي الإتقان
توفي العلامة گراي ٢٦ ربيع الأول١٤٢٠ه الموافق ١٠يوليو ١٩٩٩م، ودفن بالميمون،
رحمه الله تعالى.
محمدن ولد حمدي “بدن”
هو العالم العامل الورع الشاعر المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمدن (بدن) بن حمدي بن سيد لغليظ بن محمذن بن متيلي بن أحمد بن الحسن دوبك الملقب براكب الأسد، قال سيد أحمد بن أسمه في “ذات ألواح ودسر” عند ذكر كرامات أهل إيگيدي: “الخامس عشر من هذا النوع حمل الحسن دوبك عياله على الأسد إذ لم يجد ما يحمله عليه.
وقال المختار بن حامد:
وأشفغ ابياي له نعم الولد :: الحسن اندوبك راكب الأسد
خُلف في العلم وفي الصلاح :: بنجله البر الشهيد الماحي
بدفن قومه أضاءت رجله :: خلفه سميه ونجله
العالم المدرس الشهير :: أخذ عنه عالم كثير
خلفه ابنه الأمين قاضي :: تشمش بالإجماع والتراضي.
أخذ بدن العلم عن العلامة محمد فال بن محمذ بن أحمد بن العاقل “ببها”، وسافر في طلبه أيضا إلى محظرة “الصفره والكحله” المشهورة، وهو معروف بالورع والتمسك بالسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وله عصا يغير بها المناكر، وينصح الناس بما فيه صلاح دينهم، وينشئ وينشد القصائد الحسان في مدحه صلى الله عليه وسلم.
توفي محمدن بن حمدي سنة ١٩٥٨م – ١٣٧٧هـ من بعدما عاش مائة وأربع سنوات.
المحفوظ ولد أجداد:
هو العالم الشاعر المحفوظ بن محمذ بن محمد بن حمدي بن أجداد بن المختار بن بلا بن محنض بن اعديج، كان جده محنض بن اعديج من رجال الله الصالحين العارفين المجاهدين في الله حق جهاده، وكان من رجال تشمش وقوادهم البارزين كما ذكر المختار بن حامد في موسوعته “حياة موريتانيا”:
“هو مَحَنْضْ بن اعديجَه بن موسى بن يِدَّاجْ جد إِدَوْدَايْ .. نشأ مَحَنْضْ بن اعديجَه في بيئة شمشوية حيث العلم والمعرفة والتقى والورع يذكر أنه كان يختم القرآن في ركعتين.. كان من فرسان تشمشه وقوادهم البارزين وكان من المقربين لدى الإمام ناصر الدين وكان يعتمد عليه في المواقف التي تتطلب الجرأة والخبرة .. وذكر له مواقف مشهودة.
عاش محفوظ بن أجداد في طلب العلم فكان رحمه الله من أعلم أقرانه بالسيرة النبوية وأكثرهم تدوينا للفوائد بأشعاره، ومن أشهر أنظامه نظم يذكر فيه مائة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم:
حمدا لمن دعي فاستجابا ~ ودونه قد أسبل الحجابا
وقد روى الشاعر الأديب الراوية الثقة الأستاذ أحمدُّ باب بن اسلامَ بن محمذن بن علي حفظه الله ورعاه أن المحفوظ بن أجداد كان ذات مساء هو وابن عمه بيبيار بن عبد الله بن أبوبي في “شمامه” مسافرين وقد كادت الشمس أن تغرب، فما راعهما إلا الأسد معترضا طريقهما فخاطب محفوظ بيبيار مرتجلا:
ألا يا صاح فانتهر الحمارا :: فإن الليل قد غلب النهارا
وإن الهاشمي لنا رفيق :: فلا تخش المكاره بيبيارا
فأفسح الأسد لهما الطريق وانصرف موليا.
وقال عنه المختار بن حامد في موسوعته “حياة موريتانيا” -جزء ادوداي-: “وكان المحفوظ هذا مشهورا بالعلم والذكاء وجودة القريحة وله عدة أنظام مشهورة في التوحيد والفقه والسيرة وغير ذلك ولكنه لم يعقب”.
ومن أشهر شعر محفوظ بن أجداد قصيدته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أيا خير ثاو بالمدينة يثربا :: ويا من فؤادي من هواه قد أشربا
توفي المحفوظ بن أجداد وعمره يقارب أربعا وعشرين سنة ودفن في لكراع لَحْمَرْ مع الصالح المشهور حمدا بن محمد فال بن أحمد بن العاقل وكان حمدا قد أخبره أنه سيدفن معه، وتوفي المحفوظ بعد حمداً بثلاث سنوات وحمدا توفي ١٣٢٤هـ، قال العلامة المختار بن المحبوبي في نظمه في التاريخ مؤرخا لوفاة حمدا:
وعام كدٍّ مات حمداً نجلُ :: محمدٍ فال الإمامُ العدلُ
أي أن المحفوظ بن أجداد توفي سنة: ١٣٢٧هـ. رحمه الله تعالى.
وقد أجاد الأستاذ محمدن بن محفوظ ابن أبوبي في كتابه: “نبذة من أنساب بني محنض بن اعديج” في خبره وخبر قومه الغطارفة الكرام.
العلامة حمدا ولد التاه
هو العلامة الشاعر المنطقي حمداً بن سيدِ بن التاه بن محمذن بن أحمد بن العاقل، مد الله في عمره، ولد سنة ١٩٣٣م، درس القرآن الكريم على القارئ المشهور سيدِ ابن والد، وأخذ العلم عن خاليه القاضي محمذن “اميي”، والقاضي حامد ابني ببها وعن العلامة محمد عالي بن محنض والعلامة گراي ابن أحمد يورَ. وقد تقلد حمدا وظائف هامة في البلد منها إدارة التوجيه الإسلامي، ووزارة الشؤون الإسلامية، وعضوية المجلس الإسلامي الأعلى، والأمانة العامة لرابطة علماء موريتانيا، وعضوية المجلس الأعلى للفتوى والمظالم.
وهو من أبرز علماء البلد اليوم. ومن مؤلفاته: اختصار موافقات الشاطبي، وجدولة مختصر خليل، ونظم الثقلاء، وأربعون حديثا في فقه قضايا معاصرة، وجدولة المنطق، وجدولة علم البلاغة والأصول، وتلخيص الخلاصة، وتلخيص الإتقان في علوم القرآن،ونظم في أحكام المساجد، ومنظومة المستجدات الفقهية.
وللأستاذ حمدا ديوان شعر يتميز بالسلاسة وقرب المأخذ مع الجودة،
وللأستاذ حمداً في أمر الفتح على شيخنا الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي بن حَمَّ حفظه الله ورعاه وقد حدثني الشيخ حمدا أنه رأى قبل هذه الأبيات في ما يرى النائم عمودا من النور ممتدا من الشيخ علي الرضا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مارا ببعض الأشراف، والأبيات هي:
الحمد لله الذي أظهرا :: نور الرضا من نور خير الورى
قطب حوى ما قد حوى يافعا :: فعمر المحرابَ والمنبرا
له على ما قد حوى شاهد :: يرد من يابى ومن أنكرا
لا تعجبوا يا قوم من أمره :: ليس الأسنُّ دائما أكبرا
والحمد لله الذي اختارنا :: لنصره بين الورى معشرا
وهذه ترجمة لوالده العلامة سيد بن التاه:
هو العلامة الورع سيدِ بن المختار أمُّ “التاه” بن محمذن بن أحمد بن محمد العاقل، ولد سنة ١٢٩٢هـ، قال الدكتور يحي بن البراء في كتابه “المجموعة الكبرى في الفتاوى” مترجما له : “فقيه ومدرس وقاض من قبيلة أولاد ديمان درس على والده وعلى عميه: سيد الأمين، ومحمد فال ابني محمذن بن أحمد بن محمد العاقل، وعلى البراء بن بگي ثم رحل إلى شرق البلاد وربما يكون حضر بعض دروس محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني. وممن أخذ عنه گراي بن أحمد يورَ،. له من المؤلفات: نظم في وفيات علماء المذهب المالكي، ومكتوب في طعمية العلك، ورسالة في الضاد، ومكتوب في الجيم، وديوان شعر، ومجموعة من الفتاوى الفقهية. وهو دفين المدروم غربي المذرذره”. انتهى من المجموعة الكبرى.
وعُرف سيد بن التاه بشغفه بطلب العلم وهمته في تحصيله ولو كلفه ذلك بعد الشقة واحتمال المكاره، وقد غلب نفسه على ذلك كما في نظم التاريخ للعلامة المختار ولد المحبوبي عند ذكر عام ١٣٦٢هــ:
وفيه موت العالم ابن التاهِ :: سيدِ التقيِّ الكاملِ الأواهِ
من في طلاب العلم نفسه غلبْ :: حتى حوى العلم ونال ما طلبْ.
للعلامة سيد بن التاه الكثير من الفتاوى والأنظام والشعر الحسن،.
توفي العلامة سيد بن التاه سنة: 1361 هــ وعمره تسع وستون سنة، قال العلامة گراي ولد أحمد يوره :
في “أصسش” وفاة سيد الفائق :: أقرانه بكل وصف رائق
في طاعة الرحمن عمره انقضى :: وعند “طائها وصاد” قد قضى.رحمه الله تعالى.
1- الله المستعان
العلامة محمد عالي بن محنض
هو محمد عالي بن محنض بن محمذن بن ألمين باب (ت 1390هـالموافق 1970م)، قال د. يحي بن البرا في كتابه المجموعة الكبرى في الفتاوى مترجما له: ” فقيه متمكن ومعقولي من قبيلة أولاد ديمان “أهل المختار أكَد عثمان”، درس على أخواله وخاصة محمد فال بن أحمذو بن زياد، وعلى محمذن باب بن داداه الديماني، وقدمه محمدن (أدي) بن الشيخ أحمد بن محمذن بن الفاضل الديمانى في الطريقة القادرية المختارية، وأنشأ محظرة كبيرة لتدريس العلم والقرآن، وكان بارعا في علوم المعقول، ممن درس عليه الشريف الشيخ بن حم، ومحمدن بن محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره، وأخوه كَراي ابن امحمد بن أحمد يوره، وحمدا بن سيدي بن المختار أم، وامحمد بن المختار بن أبن، ومحمذن بن المختار بن محمودن، ومحمد باب بن سيد باب، وابنه الداه بن محمد عالي، ومن تلامذته السينغاليين: الشيخ عباس صال، والشيخ عمر اديالو الأندري إمام المسجد الجامع لمدينة اندر، والشيخ أحمد جخته، والشيخ الخديم امباكي، والشيخ شعيبو افال، والمختار بوصا، والشيخ امبي، له من المؤلفات: رسالة في الفلوس، ورسالة في حكم جلود الأضاحي، وشرح نظم “الوصول إلي مهمات من الأصول” لامحمد بن أحمد يوره، ورسالة فيما تجوز به الفتوي، وتأليف في زكاة الحيوان، ورسالة في وجوب الجمعة على الموريتانيين المقيمين في السينغال، وفتاوي متفرقة، وتأليف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتأليف في العروض، وأنظام وتوسلات متفرقة”. انتهى من المجموعة الكبرى.
نشأ محمد عالي في محيط علمي معروف، ودرس القرآن الكريم على المقرئ الشهير أحمد سالم بن السيد، وأخذ الفقه والنحو عن العلامة محمذن باب بن داداه (ت 1394هـ)، وأخبرني الوالد أيضا أن شيخه محمد سالم بن ألما أخبره أن يلازم الدعاء عقب الصلوات لوالده أحمدو ولمحمد عالي بن محنض.
أخذ محمد عالي علوم المعقول عن العلامة محمد فال بن أحمذ بن زياد “بباه”(ت 1352هـ) وكان عالما أصوليا منطقيا بيانيا، وأخذ علم البيان خاصة عن العلامة محمد الافظل ابن زياد (ت 1340هـ)
يقول عنه شيخنا الشيخ علي الرضا حفظه الله ورعاه:
لِمُحَمَّدٍ عَالِي المَكَانَةِ مَنْزِلُ ** فوقَ السِّمَاكِ وَنَجْمُهُ لاَ يَأْفُلُ
هُوَّ الإِمَامُ العَالِمُ الوَرِعُ الذِي ** قَدْ عَاشَ فِي حُلَلِ المَكَارِمِ يَرْفُلُ
شَيْخُ الشُّيُوخِ مَنَارُ كُلِّ فَضِيلَةٍ ** عَنْ مَنْهَجِ المُخْتَارِ لاَ يَتَحَوَّلُ
حَازَ العُلُومَ قَرِيبَهَا وَبَعِيدَهَا ** وَهْوَ التَّقِيُّ العَارِفُ المُتَبَتِّلُ
حَفِظَ الإِلَهُ البَرُّ أُسْرَةَ شَيْخِنَا ** وَحَمَاهُمُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَنْزِلُ
ومما يشهد لسعة علمه شهادة العلامة گراي ولد أحمد يوره له بذلك حين سأله شيخنا الشيخ علي الرضا حفظه الله ورعاه عن أعلم من عرف من العلماء فكان جوابه أنه لم ير أعلم من محمد عالي بن محنض كما رويت عن شيخنا العلامة الشيخ بن حم وكان حاضرا حفظه الله ورعاه.
أخذ محمد عالي الطريقة القادرية عن الشيخ محمدن بن الشيخ أحمد الفاللي (ت 1363هـ) الذي أخذها عن والده الشيخ أحمد بن الفاضل الذي أخذها عن الشيخ سيدي الكبير، وأدخله الشيخ محمدن “أدِّ” الخلوة مرتين وقدمه في الطريقة،
أنشأ محمد عالي محظرة في “ابَّيْر التورسْ” اضطلع فيها بتدريس مختلف الفنون،
شرح لنظم امحمد بن أحمد يوره في الأصول ورسالة في ما تجوز به الفتوى ومن تجوز له في المذهب المالكي، وتأليف في الجمعة نشر في “المجموعة الكبرى” وتأليف في الزكاة، ورسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الإختلاط في المنطق.
وكانت وفاته يومَ الجمعة 18 جمادَى الأخيرة عام 1390هـ الموافق 1970م، عن عمر يناهز الأربعة والسبعين،
العلامة القاضي بن اعلي مَمّ السباعي
هو العلامة القاضي بن اعلي مَمّ السباعي المومني من أكبر علماء البلد، قال الدكتور يحي بن البراء في “المجموعة الكبرى” عند ذكر المدارس الفقية القديمة في هذا البلد: “مدرسة القاضي بن اعلي مم بن درميم (ت. ق . ١٢هـ/ ١٨م): فقيه كبير وقاض وشيخ محظرة من قبيلة أولاد بسباع (أولاد المومنه)، قضى عشرين سنة مع شيخ الشيوخ الحسني الفالي بن بولفالي حتى تخرج عليه، وأسس محظرة كبيرة في منطقة الشمال الموريتاني، من أبرز من درس عليه فيها أتفغ الخطاط، وهو دفين أناجيم شمال ازويرات”، وذكره في أسانيد الفقه في هذه البلاد،
وقال العلامة المؤرخ الولي الصالح والد بن خالنا الديماني في كتاب الأنساب: “أولاد أبي السباع واسمه عامر بن إدريس بن إدريس، وقبر أبيه إدريس بن إدريس ب”زرهون” موضع بين فاس ومكناس، وعرف بأبي السباع لأنه على ما قيل كان يعبد الله في فلاة ومعه بناته وهن سبع، وله سبع شياه لا يملك غيرهن إذ أتى غزي من أهل التل فقالوا له: أين مالك؟ فقال: ليس لي إلا بناتي هؤلاء وقطيعي هذا. فقالوا له: لا أرب لنا في عيالك وإنما نسألك عن مالك. لقد علمت ما لنا في بناتك من حق. وإنك لتعلم ما نريد. فأدللنا على مالك عساك تسلم إن تدلنا عليه وإلا يعل مفرقك الحسام، فقام ومضى عنهم فمكث غير بعيد، فإذا هو يتمطى ومعه مأسدة سبعة عددا يطوفون به عن اليمين وعن الشمال عزين وهم يبصبصون، فارتاع الجيش حتى بلغت القلوب الحناجر وجعلوا يتملقون ويستغيثون ويقولون: سلاما سلاما يا أبا السباع ثم تولوا مدبرين فقدموا أهلهم وقد انسلخ الليل وتعسعس، فلما كان من الغد ارتحلوا ونزلوا عليه، وتزوج امرأة منهم، إلى أن يقول: .. ومن ادراميم أيضا القاضي بن علي مم ابن درميم وأمه مريم بنت سيد محمد بن ادميس”.
وأخبرنا شيخنا الشيخ علي الرضا أن جدته الولية الصالحة المشهورة آمنة بنت يوسف ممن شهد بشرف أبناء أبي السباع فقال حفظه الله ورعاه: “وممن شهد لأبناء أبي السباع بالشرف الولية الصالحة آمنة بنت يوسف عن طريق الكشف والمرائي فقد ثبت عنها قولها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إنهم أولاده، قصة تواترت من عند ذريتها ومن غير ذريتها”، وآمنة بنت يوسف هي الأم الرابعة لشيخنا الشيخ علي الرضا، فأم شيخنا مريم الملقبة تانِ بنت محمد الامين ابن عابدين مد الله في عمرها في صحة وعافية، وأمها ابنة بنت بدي، وأم تلك لمنيَّه بنت علي، وأم تلك آمنة منت يوسف رضي الله عنها وأرضاها.
وقد اشتهرت في هذا الشأن أيضا شهادات لجماعة من أشهر علماء هذا الوطن وردت في كتاب “شهادات حول شرف أبناء أبي السباع” كما في المجموعة الكبرى للدكتور يحي بن البراء وتحقيق كتاب الشيخ سعد بوه المذكور للدكتور عبد العزيز ابن الطالب موسى ومنها: شهادة الشيخ محمد المامي البركي وشهادة الشيخ محمذ فال بن متالي التندغي وشهادة الشيخ باب بن أحمد بيب العلوي وشهادة الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبه الأبييري وشهادة الشيخ سعد أبيه في كتابه تقريظ الأسماع بالذب عن بغض أبناء أبي السباع وانظر كتاب”اللؤلؤ المشاع، في مآثر أبناء أبي السباع” للشريف الكريم أحمد سالم بن عبد الودود السباعي وكتاب : “إماطة القناع، عن شرف أولاد أبي السباع”. لمؤلفه سداتي بن الشيخ المصطف الأبييري و”أعلام علماء أولاد أبي السباع في موريتانيا” للدكتور محمد الحسن بن محمد المصطفى وتؤثر عنه كرامات وأخبار خوارق ويقول الشيخ محمد المامي في “الدلفينية”:
والقاضي الاتقى ابن اعل مم راسلهم == إتقانه قصرت عنه الأتاقين
توفي القاضي بن اعل امم في صدر القرن الثاني عشر على الأرجح ولم يتيسر للباحثين بعد معرفة تاريخ وفاته على وجه الدقة ودفن في موضع يدعى “عظم أناجيم” قرب “كديت اجل” بالشمال الغربي من موريتانيا حاليا،
الشيخ سيدي الكبير
هو الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبه بن أحمد دوله بن أبابك بن محم الملقب انتشايت الأبييري، أمه الصالحة المشهورة عائشة أم المومنين بنت ألفغ عبيد،ولد الشيخ سيدي سنة 1190 ه وهي السنة المعروفة بعام المرفك بنواحي بتلميت،يقول الشيخ محمد فال بن بابه العلوي:
ووقعة المرفق عام يشفق :: ولد فيه العالم المحقق
الشيخ سيدي إمام المغرب :: جميعه من عجم وعرب.
لم يكن للشيخ سيدي همٌّ في صغره غير تحصيل العلم فلم يشغله ما شغل غيره من أبناء سنه، كما في كتاب الأخبار للمؤرخ هارون درس الشيخ سيدي أولا على خاله سيدي بن ألفغ عبيد وكان من علماء مدرسة أولاد أبييري كما ذكر المختار بن حامد في موسوعته، ثم قرأه على الطالب ألمين بن الطالب المختار وهو من قبيلة تيمركيون يحكى أنه ربما تم القرءان في ألواح تلامذته في يوم واحد، وفي هذه المرحلة أتقن حفظ القرءان الكريم برواية نافع، وقد دامت أربع سنين. ثم سافر إلى العلامة حرمه بن عبد الجليل العلوي ومكث عنده ثلاث عشرة سنة فأتقن علوم اللغة، وقال عن نفسه زمنه مع حرم إنه أحس بالعربية رسخت في قلبه وتمددت حتى صارت كالطبيعة فيه، وبعد تضلعه من علم حرمه بن عبد الجليل رحل إلى محظرة “الصفره والكحلَ”حيث الشيخ حبيب الله بن القاضي الإيجيجبي وابنه محمد محمود فأقام فيها أربع سنين حتى حصل ما كان يسمو إليه من علم الفقه وقواعده، ثم شد الرحال إلى تيشيت فأقام فيها سنة ينظر في مكتباتها المزدهرة، وبقيت الملاحظات والتصحيحات والتخريجات بادية بقلم الشيخ سيدي في هوامش الكتب بتلك المكتبات، وفي تيشيت ألف أكثر مؤلفاته ولقي كبير شرفاء أهل عبد المومن، وخرج منها إلى ولاتة التي زار بها روضة الشيخ سيدي أحمد البكاي وذلك في طريقه إلى أزواد، وكان في تيشيت شيخان معروفان بالعلم والصلاح فاستشار الشيخ سيديأحدهما، فقال له: “لا أرى لك حاجة إلى الإستزادة أرى أن تعود إلى أهلك فتبث فيهم ما حصلت من العلم والله ينفع بك هناك”. واستشار الشيخ الثاني فقال ليس هذا رأيي، لما بلغت هذا المبلغ أرى أن تغرف غرفتك من هذا البحر الذي يذكر” يعني الشيخ سيد المختار الكنتي، ثم التحق بالشيخ سيدي المختار الكنتي، وانكب عليه أهل الحضرة يتعلمون منه العلوم، ولازمه خمسة أشهر أو ستة إلى أن توفي، ثم ساهم في ترشيح ابنه سيدي محمد لخلافته
قال هارون في خضم حديثه عن رحلة الشيخ سيدي هذه: “وكان محمذ بن منيه بن ألفغ عبيد خاله أيضا الذي رأس أولاد أبييري يسأل عن الشيخ سيدي غاية ويسأل عن سيد المختار ابن أخيه ويقول إنه قال له والد الديماني الذي قد صحبه وتاب إلى الله تعالى معه وصار يبكي من خشية الله: “إن دولة الزوايا مطلقا ودولة أولاد أبيير خاصة ستصلح على يدي واحد من قومكم المتغيبين في طلب العلم”، ويقول منيه إنه يرجو ذلك لابن أخته يعني الشيخ سيدي “، وقال الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف في كتاب أنساب بني أعمر إديقب: عند “ذكر جملة مما أخبر به الولي والد”: “ومنه ظهور الشيخ سيدي الكبير وأنه سيكون لـه شأن عظيم”.
بلغت مؤلفاته ما يقارب مائة كتاب، منها شرح باب الفرائض من مختصر خليل، وشرح تحفة المودود في المقصور والممدود لابن مالك، والنفحة القيومية بتقرير الآجرومية، وتحفة الأطفال في شرح لامية الأفعال الذي نوه به الحسن بن زين في احمرار لامية الأفعال بقوله:
فيه اقتفيت أبا الأنوار سيدنا :: سيدي قطب الرحى بدر الدجى المثلا
توفي الشيخ سيدي في آخر يوم من سنة ١٢٨٤ه عن زهاء مائة سنة، ودفن في مقبرة تندوجه المشهورة، رحمه الله تعالى برحمته الواسعة.
الشيخ محمد اليدالي:
هو العلامة محمد بن المختار بن محمد السعيد بن المختار بن عمر بن علي بن يحيى بن يدال خامس تشمشَ، وأمه هي الصالحة المشهورة: امبيكله واسمها فاطمة بنت سيد الأمين بن بارك الله الديمانية، ولد الشيخ محمد اليدالي سنة 1096هـ عند بئر تندكسمِّ، وهو المعروف باليدالي وبالديماني، من قبيلة اليداليين أهل العلم واليمن والبركة، ومما يعرف عند الناس أنه لم يخل حيهم في مختلف الأزمنة من اثني عشر عالما، يقول العلامة محمذ بن أَحمد بن العاقل من قطعة يمدحهم بها:
ذاك المنار وقد لاحت به دمن :: مثل اليواقيت من آل السعيدين
قوم سعيدون لايشقي جليسهم :: مقالة رويت عن ناصر الدين
همُ الجحاجح فى عز وفى كرم :: همُ البزاة همُ روض الرياحين
يعتبر اليدالي من أجل علماء البلاد علما وصلاحا وورعا، أخذ اليدالي العلم عن ألفغ عبد الله بن عمر الأبهمى وأحمذ بن المختار باب اليدالي وجدنا الشريف ألفغ ميننحن بن مود مالك والمختار بن ألفغ موسى ومحمد الكريم بن الكوري بن سيد الفالي، و نختار بن المصطفى اليـدالي، ومسكه بن بارك الله.
أخذ اليدالي الشاذلية عن ابن عمه نختار بن المصطفى بن محمد سعيد،
تلامذته: أخذ عنه ابن عمه ألما بن المصطفى بن محمد سعيد المعروف بـ ألما العربي وألما الشاعر، ويروى أن اليدالي قال له مرة وكان معجبا به إنه هم أن ينزع له عمامة الشعر غير أنه تذكر بيتين من قصيدة اليدالي الميمية المشهورة:
حسن بدئي واختتمامي :: بك يا خير الأنام
والبيتان هما:
فدم الفجارِ جار :: ونجيع الهامِ هامِ
كامل الأوصاف صافٍ :: وافر الأقسامِ سامِ
وقد سئل العلامة سيدي عبد الله ابن رازكه عن أشعر زوايا القبلة فقال لا أدرى إلا أن القائل: آيات طه = ليست تباهى = ولا تناهى = على الدوام
لا يباهى هو أيضا ولا قيل مثله في القبلة.
وممن أخذ عن اليدالي كذلك العلامة وَالدْ بن خَالُنَا الأبهمي الديماني، وهو تلميذه الوحيد الذي تخرج على يده في العلم الظاهر والباطن، وتأثر به كثيرا وانظر ما حلاه به في آخر كتابه كرامات أولياء تشمش
وهو من الكمل السبعة الذين أخبر الشريف الولي سيدي محمد الشريف الصعيدي أنهم سبقوه في هذه الأرض، كما في لطائف التعريف للقاضي الشريف محمد ابن عابدين.
وقد ذكر العالمان الديمانيان سيد أحمد بن اسمه والمختار بن حامد جملة من كراماته نقلا عن السند العالي في مناقب اليدالي للنابغة الغلاوي: منها أنه أخذته فتيةٌ ذات يوم فغمض عينيه اثنان منهم قويان ثم أخذ باقيهم نص خليل ففتحوه فسألوه عن المدرك الذي فتحوا فأخبرهم فلم يزالوا يفتحون الكتاب ويسألونه إلى أن أكملوا نص خليل وهو يخبرهم بما فتحوا عنه مكاشفة وكانوا بعدُ يقولون في شأنه: فهل يسأل عن خبر اليدالي بعد عشية الكتاب، ومنها أنه جاءه والد الديماني ذات ليلة فسأله عن كتاب ينظر فيه كلمة فأخذوا له الكتاب فجلس وراء ظهر الشيخ ففتح والد الكتاب فمد اليدالي يده وراء ظهره فقلب ورقتين ثم وضع إصبعيه على كلمة فقال له يا والد كلمتك التي تطلب هذه فنظرها والد فإذا هي كلمته بعينها فتعجب من كشفه..” اهـ منه
ويروى أن اليدالي سمع ذات ليلة والدا يترنم ببيت المتنبي:
ومن الخير بطء سيبك عني :: أسرع السحب في المسير الجهام
فقال: إن ابن خالنا هذا استعجل “اطليصَ” يعني الإجازة.
مؤلفاته منها: “الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز” الذي أنهاه سنة 1160هـ تقريبا ويعد هذا التفسير أقدم تفسير موريتاني، وطبع في 7مجلدات بتحقيق حفيده الأستاذ الراجل بن أحمد سالم الأمين العام لزاوية الشيخ محمد اليدالي وقد استفدت كثيرا من ترجمته له فيه وفي خاتمة التصوف، والحلة السيرا في أنساب العرب وسيرة خير الورى، وخاتمة التصوف التي منها نظم الشيخ أحمدُّ بمب نظمه المسمى مسالك الجنان كما في “ذات ألواح ودسر”، وشيم الزوايا، وأمر الولي ناصر الدين، ونصيحة تشمش، والمربي على صلاة ربي، وشرح أسماء الله الحسنى، والوسيلة الكبرى في إصلاح الدين والدنيا والأخرى وقد يطلق عليه وسيلة السعادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه، وواضح المذاهب وهو نظم في نسب آل البيت، وقواعد العقائد، وفرائد الفوائد في شرح قواعد العقائد، وتقريب المعاني في علوم البديع والبيان والمعاني، وتاليف “اللفعه” وله ديوان شعر حققه الأستاذ الأمير بن آكاه، ترجم له فيه وفي تحقيقه لنظم مدافن تشمشَ وهو من مراجعي ههنا، ومن أشهر شعره قصيدة صلاة ربي وقصيدته في مدح القرآن أثبتها في تفسيره ومطلعها:
إِنَّ هَمِّي كِتَابُكَ الْمُسْتَبِينُ :: يَا إِلَهِي يَا مَنْ بِهِ نَسْتَعِينُ
أَنَا مِنْ خَادِمِيهِ وَالْمُسْتَحِقُّ الدَّ هْرَ لِلخِدْمَةِ الْكِتَابُ الْمُبِينُ
حُبُّهُ فِي قَلْبِي وَخِدْمَتُهُ مَا عِشْتُ دَأْبِي وَدَيْدَنٌ لِي وَدِينُ
ويقول صاحب هذه الترجمة من قصيدة له:
هي “الذهب الإبريز” والجوهر الذي :: نباهي به أهل القرون السوالف
وفيها “المربي” منقذ من ضلالة :: بهدي لطه المصطفى غير حائف
ونيطت عليها “حلة” معنوية :: يشع سناها ساطعا غير خاسف
وفيها “الرقى” للمستهام بحبها :: وفيها لقا المحبوب رهن التعارف
وكشف حجاب الجهل ثمة واضح :: بسيل لأنهار المعارف جارف
“فوائد من حلي البديع فرائد” :: بها “ختم الإحسان” عند العوارف.
توفي اليدالي سنة (1166هـ) بعد أن عاش سبعين سنة، ودفن ب”انتَوْفّكْتْ”
وللمزيد ينظر كتاب الأستاذ محمذن بن باباه: “الشيخ محمد اليدالي ووسطه الإجتماعي” و”ذات ألواح ودسر” للشيخ سيد أحمد بن اسمه و”السند العالي في مناقب اليدالي” للنابغة الغلاوي
الشيخ محمد فاضل بن مامين:
هو الشيخ محمد فاضل بن الشيخ محمد الامين “مامين” بن الطالب اخيار بن الطالب محمد بن اجيه المختار، عالم الأولياء وولي العلماء ولد بولاته يوم الأحد في سبعة وعشرين من شعبان عام أحد عشر بعد المأتين والألف (١٢١١هـ)، قال ابنه الشيخ محمد تقي الله :
وشيخنا الفاضل نجل مامين :: ولد عام “أيْرش” يا سامعين
من بعد هجرة النبي المصطفى :: صلى عليه ربنا وشرفا
ينتمي الشيخ محمد فاضل إلى أهل اجيه المختار من القلاقمة الذين ينتمون إلى الأدارسة الشرفاء الحسنيين، قال العلامة الطالب أخيار بن مامين في كتابه “الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الإستعمار الأوروبي”: “الشيخ محمد فاضل بن مامين هو أشهر من أن يعرف به، فقد ألفت كتب مستقلة عليه، يتصل نسبه بالإمام إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى، كان إماما من أئمة المسلمين، وعلما من العلماء العاملين ذائع الصيت، محل تقدير عند العامة والخاصة، وكان من أقطاب الصوفية في زمنه ومن العارفين بالله، وإليه تنسب الطريقة الفاضلية في موريتانيا والمغرب والسنغال وغيرها”.
ومن ترجمته في جزء القلاقمة من كتاب حياة موريتانيا: “أما الشيخ محمد فاضل بن مامين فهو العالم الصالح الصوفي المربي الشهير أفرده بالتآليف رجال منهم الطالب بوبكر المحجوبي الولاتي ومحمد فاضل بن الحبيب بن الداي من أهل الطالب عثمان اليعقوبيين في كتابه الضياء المستبين في كرامات أبناء مامين والآيات البينات وغيرهما، قال في الضياء المستبين: الشيخ محمد فاضل وأبوه الشيخ محمد الامين وأبوه الطالب اخيار وأبوه الطالب محمد بولنوار وأبوه الجيه المختار وأبوه الطالب الحبيب ليس بينهم واحد إلا وله إخوة معروفون بالولاية، وكان ورد الشيخ محمد فاضل أربع عشرة ختمة من القرآن في اليوم والليلة، ومائة ركعة بعد العشاء وخمسين ركعة قبله، وكان قارئا بالسبع فارا بدينه من الفتن.. وسائر أوقاته ما بين ذكر وفكر واستنباط وقراءة مصحف مكرما للضيف منفقا على الفقراء.. وله كرامات عديدة، ومن أعظم كراماته أن أعطاه الله عددا من الأولاد فأصلحهم له جميعا ذكورا وإناثا، وجعلهم علماء أتقياء وسخر لهم المخلوقات فلم يضع أحد منهم قدمه في أرض إلا وضع له القبول في قلوب أهلها وكان له أتباع كثيرون.” اهـ
وللشيخ محمد فاضل اليد الطولى في العلوم كلها فقها وحديثا وقرآنا ونحوا ولغة ومنطقا وبيانا وهندسة وغير ذلك، وكان علم العربية من أحب العلوم إليه، وألف نحو الخمسين أو الستين تأليفا، ومن تآليفه التيسير، وفقه المنى، والستر الدائم للمذنب الهائم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتبيين للطالبين، ومطية المُجد في التصوف، والتوضيح في علم العروض، وتأليف في علم الأصول، ومختصر على ألفية ابن مالك، ومنظومة في اللغة تنيف على ألفي بيت، وله شرح نفيس على منظومة الأخضري المسماة الجوهر المكنون، ومجموعة من النوازل الهامّة، وقد نظم أسماء الله تعالى الحسنى عشر مرات كما ذكر في الفتح المبين.
وقد أشار إلى عدد أبناء وبنات الشيخ محمد فاضل حفيده الشيخ بنن ولد الشيخ الطالب أخيار ولد الشيخ ماء العينين بقوله:
أبناء شيخنا الكبير الفاضل :: غوث الأنام كافل الأرامل
ذكورهم “نج” من الآفات :: جميعها و”زم” للبنات
وكان سيدي عبد الله بن مايابى من أبرز تلامذة الشيخ محمد فاضل، ومن مشاهيرهم من غير أبنائه كذلك محمد فاضل بن اعبيدي ومحمد فاضل بن الحبيب اليعقوبي وسيدي المصطفي بن محمد الكيحل،
توفي الشيخ محمد فاضل ليلة الجمعة 10 محرم 1286 هـ ـ 1869 م، دفن بدار السلام، وأشار الشيخ ماء العينين إلى وفاته بقوله:
وقد توفي بِ”وفْرش” نمي == في ليل جمعة بِ”يا” المحرم
الشيخ سيدي المختار الكنتي
هو الشيخ سيدي المختار بن أحمد بن أبي بكر بن سيدي محمد بن حبيب الله بن الوافي بن الشيخ سيدي عمر الشيخ بن الشيخ سيدي أحمد البكاي ــ الولي الشهير صاحب القصة المشهورة في طرد السباع من ولاته ــ بن القطب الكبير الشيخ سيدي محمد الكنتي ، من نسل عقبة ـ المستجاب ـ بن نافع الفهري القرشي فاتح إفريقية والمغرب الأقصى وبلاد التكرور،
ولد الشيخ سيد المختار عند كثيب أوغال بأروان شمال غربي ماليسنة 1142،
كانت مضارب أحياء البادية بأزواد مرابع الصبا للشيخ سيدي المختار الكنتي بها نشأ وفيها تعلم القرآن بالكتاب قصد الشيخ سيدي المختار في رحلته تلك بعض قبائل الطوارق من أهل العلم مثل “كل السوق” الذين يقول في شأنهم من قصيدة له:
جزى الله أهل السوق عنا بخيره :: فما حسدوا فضلا وما نطقوا هجرا
فإنهم ذاقوا عسيلة علمهم :: ففازوا بقصب السبق واستحدثوا فخرا
ورثتم علوم السابقين ولم تكن :: بمحدثة يزري بها الوهم معرورى
وكان من مشائخه في تلك المرحلة الشيخ أح الكلحمي وغيره، ثم سافر الشيخ إلى تنبكتو فقضى بها بعض الوقت في مطالعة الكتب بمكتباتها، ومنها غادر إلى شيخه سيدي اعل ولد النجيب الشريف التكروري فألقى عصا التسيار واستقر به النوى عنده، بدت على الشيخ سيدي المختار في بداية أمره مخائل النجابة وعلامات السيادة والتفوق على الأقران،
وفي كتاب حياة موريتانيا: “وقد عرف عنه النبوغ عند مطلع حياته الدراسية، حتى كان يتلقى يوميا سبعة دروس من فنون مختلفة، فيحفظها كلها بالإضافة إلى ما يستوعبه من دروس زملائه الطلاب الآخرين، أخذ الشيخ سيدي المختار العلوم الشرعية عن مشائخ عدة مثل الشيخ محمد احمد اليلتماتيجي الذي سمع عليه مختصر خليل بن إسحق، تحفة الحكام لابن عاصم، والشيخ اند عبد الله الذي سمع عليه: ورقات إمام الحرمين وجمع الجوامع لابن السبكي والكافية لابن الحاجب، وتنقيح الفصول، والقواعد للمنجور، غير أنه استقر عند الشيخ سيدي عالي بن النجيب بن محمد بن شعيب الشريف التكروري المتوفى في حدود السبعين بعد المائة والألف فكان له الدور الأساسي في تكوين شخصيته العلمية والروحية، وقد صحبه أربع سنوات متوالية لم يزر خلالها أهله، وسمع عليه من رواياته الكثير من التفسير والحديث والنحو والبلاغة… “.
تصدر في العلم والسلوك على يد الشيخ سيدي عالي بن النجيب المذكور يقول عنه الشيخ سيدي المختار متحدثا عن دراسته عليه : “ثم قدمت على الشيخ المربي سيدي علي بن النجيب، وكان عارفا بالله، ناسكا متعبدا عالما متفننا صاحب أحوال سَنية، وأعمال زكية سُنية، فصحبته وأخذت عنه الأوراد القادرية، وعملت في الرياضة، فأقمت سنة والشيطان ينازعني من داخلي، ثم أقمت سنة ينازعني من عن شمالي، ثم أقمت سنة ينازعني من عن يميني، ثم أقمت السنة الرابعة يخاطبني من بين يدي، فلما مضت تلك السنة تنحى عني فكان لا يخاطبني إلا من بعد، قال ولم أكتحل بغمض مدة تلك السنين ولم أضع جنبي إلى الأرض ولم أضحك بل كنت كلما وقع بصري على نائم اعتقدته ميتا، أو على ضاحك اعتقدته مجنونا”،
قال: وكنت زاهدا في علوم اللسان أراها حجابا دون ما أنا بصدده، ولا أرى لها كبير فائدة، وكان الشيخ يشير علي فيها، فبينما أنا ذات يوم أفسر عليه رسالة ابن أبي زيد، وذلك بعد قراءتي المختصرات الفقهية كخليل وجامع الأمهات لابن الحاجب وغيرهما، وقال لي الخضر رضي الله عنه فيها: إن بركة العلم إنما تحصل بقراءتها، فكنت أفسرها، فقلت: “وكره مالك بالبناء للمجهول”، فضحك الشيخ وقال: “صيرته قطا”. فعزمت آنذاك على قراءته.. فلما افتتحت الخلاصة كان درسي منها أربعين بيتا بطررها وشواهدها، فلم أنشب أن فقت جميع من هناك من متعاطي النحو، وبرعت في الفن، ثم اشتغلت بفنون البيان، واتخذت التعليم خلوة للرياضة فكنت لا آوي إلى أحد ولا أخالطه.
ونقل القاضي محمد ابن عابدين في كتابه “لطائف التعريف ” عن بدي بن القاضي المجلسي ناقلا عن الشريف محمد الامين بن عابدين جد شيخنا أن سيدي محمد الشريف قال إن تلامذة الشيخ سيدي المختار الكنتي في عالم الغيب أكثر منهم في ظهر أزواد، ويؤثر عن سيدي عبد الله أنه كان لا يمر بذكر الشيخ سيدي المختار إلا قال: ولي الله.
وترجم له الشيخ يوسف النبهاني في كتابه جامع كرامات الأولياء معددا بعض كراماته وللشيخ سيديا فيه قصائد مشهورة، ويقول عنه الشيخ محمد المامي في الدلفينية:
وقطبها شيخنا الوافيُّ ذاك عزا == لعدة مالكيات أماكين.
وقال الشيخ هارون بن الشيخ سيديا في كتاب الأخبار: “كان الشيخ سيدي المختار المذكور في غاية العلم وكان هو المجدد في القرن الثاني عشر ..”.
تخرج عليه: الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبَ الأبييري، والشيخ القاضي بن الحاج أتفغ الإديجبي وأخيه الشيخ المصطفى، والشيخ أحمدو بن اعويس، والشيخ بن امني المجلسي الزينبي، والشيخ باب يحيى بن محمود بن الشيخ عمر لبدوكلي، والشيخ المختار السباعي اليدموسي، والشيخ المصطف بن العربي الإيبيري، والشيخ محمد الامين بن عبد الوهاب الفلالي، وسيدي المختار بن أحمد بن محمد الغلاوي التواتي، والمختار بابه بن محمذن بن بوحبيني التندغي.
وفي الوسيط عن الشيخ سيدي الكبير أنه قال يعني الشيخ سيدي المختار: “جئته وقد انتهيت من تحصيل العلوم فردني مبتدئا”،
مؤلفاته وله تآليف كثيرة، منها تفسير البسملة وتفسير الفاتحة وبلوغ الوسع على الآيات التسع وهداية الطلاب وشرحه فتح الوهاب، وفقه الأعيان وحقائق القرآن، والرشاد في الفقه، والمنة في اعتقاد أهل السنة، والأجوبة المهمة، والبرد الموشى في قطع المطامع والرشى، وزوال الإلباس في طرد الشيطان الخناس، ونفح الطيب في الصلاة على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، و”جذوة نورانية تبين للسالك ما يعرض له مما هو رباني وشيطاني”، وجذوة الأنوار في الذب عن مناقب أولياء الله الأخيار، وفتح الودود في شرح تحفة المودود على المقصور والممدود، ولطائف القدسي في فضائل آية الكرسي، وفاتحوا إفريقيا وقبائلها وملوكها، والألباب في الأنساب، وفوائد نورانية وفرائد رحمانية (شرح الإسم الأعظم).
توفي الشيخ سيدي المختار زوال الأربعاء خامس شهر جمادى الأول سنة 1226هـ، عن أربع وثمانين سنة، ويقال إنه ولد سنة خمس وثلاثين بعد المائة والألف فيكون عمره إحدى وتسعين سنة، ودفن ببولنوار في منطقة أزواد، وقد رثاه ـ كما في كتاب الأخبار ـ العلامة المختار بن بون بقصيدة مطلعها:
صدق الزمان إذا تراه كاذبا :: وبنات غير صدقه إن يصدق.
وورث أبناؤه وأبناء أبنائه علمه وفضله وصلاحه، تولى الخلافة من بعده ابنه العلامة الشيخ سيدي محمد الخليفة صاحب التآليف الجمة للمزيد انظر كتاب “الطرائف والتلائد من كرامات الشيخين الوالدة والوالد” للشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي
ترجمة العلامة المختار بن بونا الجكني:
هو المختار بن محمد سعيد المعروف “ببونا” بن المستحي من الله بن اعل بن زلماط، الجكني نسبة لقبيلته تجكانت المشهورة بالفضل والبراعة في العلم حتى قيل “العلم جكني”، قال المختار بن حامد في حياة موريتانيا إن من الحكايات السائدة أنه كانت في “تنيكي” قرية مشهورة لتجكانت ثلاثمائة فتاة تحفظ الموطأ، وفي بعض الحكايات تحفظ المدونة، ويقول الشريف العالم القاضي محمد بن أحمدُّ بن عابدين بن اباه الشريف بن سيدي محمد الشريف الصعيدي في الإشادة بالجكنيين:
حي الأماجد من أقيال جاكانا الأصبحيين من أذواء قحطانا
قوم إذا سيل عن علم وعن كرم نادى المنادي بهم جاكان جاكانا
شيوخنا وشيوخ الناس قاطبة فقها ونحوا وتوحيدا وقرءانا
يوم الزوايا تراهم في محاربهم فوق الزوايا ويوم العرب عربانا.
ولد ابن بون في بلدة “اكفليت” جنوب أبي تلميت ودرس على جماعة: منهم المختار بن حبيب الجكني، وأشفغ انجبنان الألفغي الحيبلي، وممن أخذ عنه المختار أيضا جدتنا العالمة المشهورة غديجة بنت محمد العاقل وكان دولته حينئذ أحمد بن العاقل وعبد القادر الفوتي، وكان يخاطب أحمد بن العاقل بأخي الشيخة، وغديجه هذه هي التي كانت تقول استسهالا للأمر: “كالمنطق عندنا”، ولها في المنطق طرتها المعروفة، وإليها يشير محمذن بن أخيها أحمد في قصيدة له في مآثر هذا الحي:
وما أقرأت قوما فلانة قبلنا على عهد نجل البون ممن يشاهد
ورجح الأستاذ يحي بن البراء في كتابه “المجموعة الكبرى” أن المختار بن بون أخذ أيضا عن الفقيه مينحن بن مودي مالك بحسب بعض القرائن الوثائقية كما قال،
ويوسف المذكور في الأبيات هو يوسف ابن أبي بكر السكاكي العلاّمة البلاغي المشهور صاحب كتاب “مفتاح العلوم” الذي يذكر فيه اثني عشر علما من علوم العربية، ت: 626 هـ، والكاتبي هو نجم الدين علي بن عمر القَزْوِيني الحكيم الرياضي المنطقي صاحب كتاب “الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية”، ت: 675هـ،
قال عنه مولاي عبد الحفيظ بن مولاي الحسن ملك المغرب الأسبق في مقدمة كتابه “القول المختار على الالفية والاحمرار”: “وبعد فهذا شرح لطيف وضعته لنفسي وللقاصرين من أبناء جنسي على ألفية بن مالك وعلى الحمرة المنسوبة لسيدي المختار بن بونا العالم بكل الفنون من أعطي مفاتيح العلوم، واطلع على منطوقها والمفهوم، الزاهد المتورع الناصح..”.
ومن أشمل تراجمه ما كتبه العلامة سيدي عبد الله بن سيدي محمد ابن انبوجه العلوي التيشيتي في شرحه لكتاب الوسيلة للمختار بن بون، تلامذته: عبد الله بن الحاج حمى الله وعبد الله بن سيدي محمود الحاجي وسيدي عبد الله بن الفاظل البركي، والعلامة الأديب محمد غالي بن المختار بن فال البوصادي و محمد اديَيْجَه بن عبد الله بن حبيب الله الكمليلي المشهور وسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام العلوي وعبد الرحمن بن المختار بن الحبيب المسومي “فحفو” وهو من أكثرهم ملازمة له وقد أثنى عليه في شعره فقال:
حلفت برب الراقصات إلى منى لقد فاق هذا العصر كلهم فحفو
ففاقهم علما ونحوا دراية وزاد على ذا أنه لم يكن يحفو
وغيرهم
مؤلفاته منها: وسيلة السعادة في معنى كلمة الشهادة: والجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة المعروفة بطرة ابن بونا، ونظم التلخيص في البيان، ونظم مختصر السنوسي في المنطق ويسمى تحفة المحقق ونظم جمع الجوامع لابن السبكي في الأصول، ومقدمة في العوامل النحوية ونظمه لأسماء الله الحسنى، والمطول في المنطق، وتبصرة الأذهان في نكت علم البيان، ونظم درر الأصول وشرحه وغيره
عاش ابن بونا عمرا مديدا وفي تحديد عمره وتاريخ وفاته اختلاف كثير، قال المختار بن حامد في حياة موريتانيا: “وتوفي رحمه الله سنة 1220هـ عن 120 سنة وقيل 140 وقيل 180 ولم يهرم ولم يتغير سمعه ولا بصره، قبره مشهور يزار ” في “تباريت” بتكانت وفي كتابَي معجم المؤلفين وهدية العارفين أنه توفي في حدود سنة 1230هـ ومن الأنظام الشائعة:
توفي ابن بونا عام شكر عن ثقة رويت دون نكر
وعن ثقات عن ثقات عاشا نيفا بعيد مائة معاشا.
وحدثني حفيد المختار بن بونا الشاعر الشهير والأديب النحرير الأستاذ عبد الله ابن بونا فقال: “الدراسة التي أجريناها باعتماد التحليل الموضوعي العلمي لحياته رحمه الله من خلال التدقيق في علاقته بأعلام عاصروه وبأحداث تاريخية للقبيلة جعلتنا نرجح انه عاش ما بين 170 الى 210 سنوات”.
العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي:
هو بحر العلم المورود، من ارتقى مراقي السعود، فنال من فيض الفتاح، ما حالفه به نيل النجاح، فكانت علومه وفهومه هدى للأبرار، وكان إرشاده وتربيته طلعة للأنوار، وإن منهجه في التأليف ليسر الناظرين، كأن تآليفه للمرتادين روضة النسرين، وإنها لمطية النجح لسامع النصح، سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام عبد الرحمن بن الإمام محمد أحمد، ينتهي نسبه إلى يحي الكامل الجد الجامع لمعظم قبيلة العلويين الموجودة في بلاد شنقيط، قال عن نفسه في كتابه “نيل النجاح على غرة الصباح”:
يقول عبد الله ذو التئام من بعد إبراهيم بالإمام
العلوي نسبا والوطن تججك من كل المخوف تؤمن.
وقال العلامة محنض باب بن اعبيد الديماني:
فعممْ به في إيدوعل وخصصنْ بني شيخنا قاضي القضاة تجد مرعى
فجدهم أستاذ تاشمش كلهم قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا
وقال الشيخ محمد المامي البركي:
بنو علي حوى ملكا زعيمهم كما تمكن في الشرق الحمادين.
وذكر سيدي عبد الله في “صحيحة النقل في علوية إدوعل وبكرية محمد قل” أن دولتهم بشنجيط كانت دولة دين وعلم ودنيا وأنه كان بشنجيط أحد عشر مسجدا بالجامع العامر اليوم، وهو العتيق، وأنهم كانوا إذا مات منهم شيخ رأسوا عليهم آخر، فبقيت دولتهم بشنجيط دولة دين وعلم ودنيا”.
وقد اتفق مؤرخو بلاد شنقيط على صحة انتسابهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلا أنهم اختلفوا هل ذلك عن طريق ابنه محمد الشهير بابن الحنفية أو عن طريق الحسن السبط، وذكر سيدي عبد الله القولين في صحيحة النقل، وقال العلامة محمد الأمين بن محمد بيب في مقدمته لكتاب فتاوى العلامة سيدي عبد الله: بعد بحث جيد: “.. ويكفيك من الدليل على رجحان الرأي الثاني أنه هو رأي العالمين الجليلين والد الديماني ولحبيب بن المختار بن ألفغ عبيد العلوي وهما معاصران لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم كما أنه هو رأي معظم من كتب في المسألة من المتأخرين عنه، وأنه هو الموجود في شجرات النسب الموجودة الآن بأيدي أبناء هذه القبيلة”.
ولد سيدي عبد الله عام 1152هـ وقيل عام 1153هـ بتجكجة، نشأ في بيت علم وورع، أخذ عن جماعة من العلماء من أشهرهم: سيدي عبد الله بن الفاضل الباركي العالم المتقن وغيره ولما استكمل سيدي عبد الله دراسة العلوم على مشاهير علماء بلده رحل برسم أداء مناسك الحج والاستزادة من العلم، جريا على القاعدة المشار إليها بقوله في طلعة الأنوار:
العلم لا ينال دون نصب وطول صحبة وذُلِّ الطلب
والمصر لازم متقنيه تسعد وارحل إذا حصلت علم البلد
فأخذ محمد بن الحسن بن مسعود البناني الفاسي.. وعن محمد بن الطالب التاودي الشهير بابن سودة المري .. وعمر بن عبد الله بن يوسف الفهري الفاسي ..
أخذ عنه أبنائه وعبد الله بن لمرابط سيدي محمود والطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجيان، والشيخ محمد الحافظ بن المختار والطالب بن حنكوش العلويان، ومحمد محمود بن حبيب الله بن القاضي الإجيجبي،
له مؤلفات ألقى الله عليها القبول منها في أصول الفقه “مراقي السعود” وشرحه “نشر البنود”، وفي مصطلح الحديث: نظمه “طلعة الأنوار” وشرحه “هدى الأبرار”، ونظمه “غرة الصباح” وشرحه “نيل النجاح”، وفي علوم البلاغة: نظمه “نور الأقاح” وشرحه “فيض الفتاح”، وفي أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نظمه “روضة النسرين” وشرحه “يسر الناظرين”، و “طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل” ونظم “مكفرات الذنوب” وشرحه، ورسالته “صحيحة النقل في علوية ايدوعل وبكرية محمد قل”، ومجموعة من الرسائل
وقال المختار بن حامد في الجزء الثقافي من موسوعته: ” وهو أحد أربعة يقال إنهم أعلم أهل القطر وهم محمد اليدالي الديماني وعبد الله بن محمد بن القاضي العلوي الشهير بابن رازكة والمجيدري اليعقوبي والمترجم له” وقال الشيخ محمد المامي:
وفي رياض نقول ساقها العلوي في “الطرد” ما تشتهي منه المحازين
توفي سيدي عبد الله ليلة الجمعة عند المغرب من يوم ثمانية وعشرين من ربيع الثاني عام 1233 هـ عن عمر بلغ ثمانين عاما، ودفن ب”القبة” شرقي تجكجَ
ترجمة العلامة المختار بن أشفغ موسى
هو القاضي الأول، والعلامة المبجل، سليل الأقمار الزاهرة، ووالد البحار الزاخرة، من آتاهم الله في القضاء فصل الخطاب، وفاقوا في العلوم والمعارف والآداب، وازدان بعقدهم المختصر، وبان بنظمهم التسهيل وظهر، وكانت مؤلفاتهم كفافا في نيل العلوم، وسلما ووسيلة لدرك الفهوم، وهي للمختشي من درن الذنوب، مطهرة القلوب، وما آوى لتلك العين الثرة باحث عن السداد، إلا حالفه منها الظفر بالمراد، وما صادفها ذووا البصائر والإعتبار، إلا نالوا البشائر بإنارة الأفكار وإشراق القرار.
ينتمي المختار بن ألفغ موسى بن يعقوب بن أبي موسى بن يعلى ابن عامر إلى بني يعقوب، وجدهم ابهنضام ـ الجد الجامع لبني يعقوب ـ أحد الخمسة الذين أنشأوا حلف تشمشَ، وينتسب بنو يعقوب إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ووالد المختار هو القاضي أشفغ موسى قال يقوى الفاضلي:
أشفغ موسى والد الأقيال = للخمس كاليمين للشمال.
وقال عنه المختار بن حامد في موسوعته: “كان علامة جليلا مدرسا قاضيا مفتيا صالحا شهيرا، ” أما والدته فهي الصالحة الفاضلة حنانة بنت الولي الصالح أشفغ أوبك التامكلاوي،
وكان الفقيه المختار فخر مصره، وبدر عصره، وواسطة الأسلاك، ونادرة الأفلاك، كما وصفه جدنا العلامة المؤرخ والد بن خالنا في ذكر كرامات الولي الصالح المشهور أحمد بازيد، وفي تحقيق الأستاذ الأمير ولد آكاه المذكور عند قول الناظم:
ومنهم المختار نجل ألفغا موسى المحاكي في العلوم أصبغا
“وعمّر المختار فى وقار وأدب وسكينة، قضى للأمير اعل شنظور(ت 1139هـ) الذي جاءه عند بئر إرشيش جنوب تنياشل على بعد 4 كلم تقريبا للقيام بمهمة القضاء، ومما جرى بينهما اقتراح الفقيه على الأمير نصب إمام للجهاد والمختار من أجل علماء زمانه سياسة وقضاء وورعا وزهدا، وهو فقيه زمانه، وله صلات بعلماء مصر، وعاصر المختارُ مسكه بن بارك الله وسيدي عبد الله بن محم العلوي (ابن رَازْگَ) والقاظ بن اعلمم السباعي. وأخذ عنه الفقهَ محَمّد اليِدّالِيّ ومحَمّد العاقل، وروى المختار وهو صبي عن ابن خالته ناصر الدين، حين قدم عليه مع أمه حنانة بنت ألفغ اوبك التمكلاوي، كما ذكر ذلك محَمّدْ اليِـدّالِيّ. وللمختار أخ هو محمذ الفاضل (الفالّ)، وأخوه لأم محنض الغالي بن أَحمد دوْلَ اليدامي، وكان المختار يوزع زمنه على ثلاث فترات: فترة للقضاء وأخرى للراحة وتناول المباح وأخري لطاعة الله تعالى. وأوصى المختار أبناءه على التعلم وأنه ترك لهم بركة فيه
وقال عنه الدكتور يحي بن البراء في المجموعة الكبرى: “فقيه وقاض من قبيلة بني يعقوب (أهل اتفغ موسى)، أخذ العلم عن أجلة من علماء عصره كالفالي بن بو الفالي الحسني (شيخ الشيوخ) وأتفغ مينحن بن مودي مالك الديماني، وكان منشغلا بالدرس والقضاء علامة زاهدا. وكانت تربطه علاقات علمية بعلماء عصره من أهل بلده بل ومن خارجه مثل شيخ المالكية في الديار المصرية محمد الخرشي، أخذ عنه ابنه محمذن آب، شارك في شربب شابا مع ابن خالته ناصر الدين وجرح فيها، واستقضاه الأمير التروزي اعل شنظوره بن هدي بن أحمد من دامان لما حل ألغاز علماء المغرب العلمية التي بعث بها السلطان العلوي ملاي إسماعيل مع محلة العروسي.. واشترط السلطان أن المحلة لا تعين إلا للفريق الذي استطاع علماؤه الإجابة عن تلك الإشكالات فظفر اعل شنظوره بالمحلة التي استرد بها الإمارة وقد عرفت إجابات المختار فيما بعد بأجوبة “اكتب ورْ تخشض”، وهي بالصنهاجية تعني اكتب ولا تخش.. . اهـ
وقد درس على الفقيه مِينَنْحْن من الأعيان غيره: الشيخ محَمّدْ اليدالي، ومسكه بن بارك اهلم، ومحَمّدْ الكريم ابن الفاضل بن الكوري، ومتالي ابن بلَّ، وسيد عبد الله بن محم العلوي المعروف بابن رَازْگَ، والماح بن الحسن دوبك، والأمين بن الماح.. .
تضلع المختار من شيخ الشيوخ آنذاك الفالي بن بو الفالي الحسني صحبة مسكة بن بارك الله والقاضي بن اعلي مم السباعي توفي القاضي المختار سنة 1139) هـ)، ودفن بتنياشل. رحمه الله تعالى.